مؤتمر الحركة الوطنية الفلسطينية والفلسطينيون في اسرائيل | اليوم الأول

من جانبه، أكد رئيس مركز مدى الكرمل للدراسات الاجتماعية والتطبيقية، البروفيسور نديم روحانا، أن المؤتمر يحاول الإجابة على العديد من التساؤلات، أبرزها، كيف تصورت الحركة الوطنية الفلسطينية العلاقة مع الفلسطينيين في إسرائيل، وكيف تم صوغ هذا التصور؟

مؤتمر الحركة الوطنية الفلسطينية والفلسطينيون في اسرائيل | اليوم الأول

انطلقت الخميس المنصرم في جامعة بير زيت، مؤتمر "الحركة الوطنية الفلسطينية والفلسطينيون في اسرائيل"، بتنظيم من مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، بمشاركة عدد من الباحثين، والأكاديميين، والطلاب والنشطاء السياسيين.

 

افتتح المؤتمر رئيس جامعة بير زيت، وعضو مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية د. خليل الهندي، بالقول إن الجامعة تتشرف باستضافة هذا المؤتمر الهادف إلى مراجعة العلاقة بين الحركة الوطنية الفلسطينية والفلسطينيين في إسرائيل، في مختلف المراحل السياسية، وإلى تحليل كل من تبعات الواقع السياسي الراهن وانسداد أفق الحلول السياسية على هذه العلاقة مع الفلسطينيين في الداخل.
 
من جانبه، أكد رئيس مركز مدى الكرمل للدراسات الاجتماعية والتطبيقية، البروفيسور نديم روحانا، أن المؤتمر يحاول الإجابة على العديد من التساؤلات، أبرزها، كيف تصورت الحركة الوطنية الفلسطينية العلاقة مع الفلسطينيين في إسرائيل، وكيف تم صوغ هذا التصور؟
 
كما يحاول المؤتمر بحسب روحانا، الإجابة على تساؤلات أخرى، أبرزها كيفية تأثير البرامج السياسية المتعددة في صوغ العلاقة بين الفلسطينيين في الشتات وأراضي الـ 67 مع فلسطيني الداخل، وكيف رأى الفلسطينيون في إسرائيل وقياداتهم العلاقة مع الحركة الوطنية الفلسطينية؟ وكيف أثرت طبيعة العلاقة في التطورات السياسية الاجتماعية، وفي هوية الفلسطينيين في إسرائيل؟
 
تحدث أيضا عضو مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ورئيس لجنة الأبحاث فيها، كميل منصور، عن مؤسسته التي تنظم المؤتمر، وقال إن الاعداد للمؤتمر والتنسيق مع مؤسسة مدى الكرمل، والنجاح في الخروج بهذا المؤتمر إلى حيز الوجود،هو أمر لم يكن سهلا، لكنه في المقابل يمكن أن يخرج بنتائج توجه المسار الفلسطيني في المرحلة المقبلة.
 
- (من اليمين) الهندي، روحانا ومنصور -
 
الجلسة الأولى: "تصورات الحركة الوطنية الفلسطينية للعلاقة مع الفلسطينيين في إسرائيل؛ كيف تم صوغ التصورات؟"
 
تحدث في الجلسة الأولى كلا من أستاذ كرسي إدوارد سعيد في مركز الدراسات العربية المعاصرة، وأستاذ التاريخ في جامعة كولمبيا بنيويورك، ومحرر مجلة الدراسات الفلسطينية بالإنجليزية رشيد خالدي، الذي قدم "خلفية تاريخية – سياسية" بدءا مما قبل النكبة، حيث كانت الحركة الوطنية الفلسطينية لها علاقة مع كل أبناء الشعب الفلسطيني على كامل فلسطين.
 
وأشار خالدي إلى النكبة عاملًا أثر سلبيًّا على الحركة الوطنية الفلسطينية وما نتج عنها من تشريد للشعب الفلسطيني، وعملية عزل الفلسطينيين في عدة مناطق (مناطق 48، ومناطق 67 والشتات)، حيث بدأت في سنوات الخمسينيات إعادة تنشيط العمل الوطني الفلسطيني، وذلك كان من خلال التنظيمات الفلسطينية والعربية (حركة فتح، وحركة القومييون العرب، وحزب البعث، والناصريون والشيوعيون)، وقد كان هذا النشاط للحركة الوطنية الفلسطينية في ساحات العالم العربي، وليس داخل فلسطين، متجاهلين الفلسطينيين في أراضي الـ 48.
 
وفي عام 1967، أعاد الاحتلال بشكل مفارق الالتقاء بين جزأي الوطن، ومن ثم بدأ إنتاج دراسات فكرية تتطرق للفلسطينيين في عام 1948 لباحثين فلسطينيين أتوا من الداخل (جبري جريس، وحبيب قهوجي، وإلياس شوفاني، وغيرهم)، حيث ظهر ولأول مرة اهتمام بحثي علمي بهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، وفي عام 1971، بدأت مؤسسة الدراسات الفلسطينية تدريس اللغة العبرية لأول مرة.
 
وتطرق خالدي إلى يوم الأرض عام 1976، الذي اعتبره "الانكشاف" الأول على الفلسطينيين في الداخل، حيث قاموا بأول انتفاضة بعد النكبة في فلسطين المحتلة.
 
وتساءل خالدي خلال مداخلته حول التركيز على ساحة معينة وتجاهل أخرى، مشددا على ضرورة التعلم من التاريخ، وكيف يجب توحيد هذا الشعب لمواجهة العدو "الموحد" ضد الفلسطينيين، وذلك من خلال دراسة أخطاء الماضي.
 
 
أما المداخلة الثانية، فكانت للكاتب السياسي، ومؤلف كتاب "اليسار والخيار الاشتراكي"، داوود تلحمي، تحت عنوان "مرحلة ما بعد 1988"، والتي كانت مرحلة مفصلية في تاريخ الشعب الفلسطيني على حد قوله، كونها شهدت العديد من التحركات السياسية في ظل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وإعلان الاستقلال في الجزائر.
 
وحسب تلحمي، فإن القيادة الفلسطينية حين قامت بإعلان الاستقلال في الجزائر، كانت تعرف أن موازين القوى لا تسمح بأكثر من إقامة من دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، كما كانت تعرف أنه في حال قيام هذه الدولة، فإن موازين القوى لن كافية لتحقيق العودة للاجئين إلى أراضي عام 1948 لعدة أسباب، ونحن نراها اليوم عندما يجري الحديث عن مسألة "يهودية الدولة".
 
وقد كان التوقع وقتها بأن يعود اللاجئون إلى الدولة الفلسطينية التي ستقام في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلى قسم محدود من أراضي الـ 48، أي إلى ديارهم الأصلية التي هجروا منها، لكن اتضح فيما بعد أن هذا الأمر لم يحصل بسبب الرفض الإسرائيلي.
 
أما فيما يتعلق بالفلسطينيين في الداخل، فأشار تلحمي إلى أن قضيتهم لم تكن موجودة على أجندة الحركة الوطنية الفلسطينية، ولم يتم التعامل معهم بشكل مباشر، فالأمر الملح للحركة الوطنية، كان تجسيد الكينونة الفلسطينية، وكان التعامل مع فلسطينيي الـ 48 يقتصر حينها على التضامن والتأكيد على هويتهم الفلسطينية.
 
يوضح تلحمي: "في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 بالجزائر، لم يرد أي تخصيص واضح لفلسطينيي 48، وهو أيضا ما حصل في الدورة الواحدة والعشرين في غزة بعد أوسلو، أما في الدورة العشرين في الجزائر، فقد وردت عبارة في البيان السياسي تحييهم على نضالهم من أجل المساواة وضد سياسة التمييز، ويثمن دورهم في دعم الانتفاضة، ورفضهم لمحاولات طمس هويتهم".
 
وأشار تلحمي في إطار هذا الموضوع، إلى أن ما قاله محمود عباس قبل فترة، وخلال لقاء صحفي أجري معه إثر خطابه في الأمم المتحدة، والمعروف بـ "خطاب أيلول": "المطلوب من عرب 48 دعم عملية السلام وحقهم في المساواة"، وهو ما يتقاطع مع هذا الطرح.
 
وأشار أيضا إلى أن التوازن الدولي منذ عام 1988 يميل أكثر لصالح إسرائيل خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج واتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل التي أخرجت جمهورية مصر العربية من قلب الصراع.
 
وأضاف: "في ظل هذا التوازن، يوجد تيار مركزي في منظمة التحرير يريد أن تكون للقوى السياسية في الداخل مساهمة في دعم الخيار التفاوضي، وبرز ذلك خلال انتخابات الكنيست الثالثة عشرة عام 1992، حيث جرت لقاءات في القاهرة واتصالات من أجل تحقيق هذا الغرض، هدفت إلى دعم حزبي "العمل" و"ميريتس"، لكنه اتضح أن حكومة رابين الجديدة لم يتغير موقفها الجوهري عن الحكومة السابقة فيما يتعلق بالعملية التفاوضية، وذلك خلال محادثات واشنطن".
 
وقال تلحمي إنه أصبح هنالك حالة إحباط لدى القيادة الفلسطينية، مما سرع حالة الاندفاع للتوجه نحو قناة سرية وإجراء اتفاقية أوسلو.
 
كما أشار إلى حالة الاحباط الأكبر، وذلك بعد محادثات كامب ديفيد عام 2000، واندلاع الانتفاضة الثانية، فبدأت علامات استفهام جدية تطفو على السطح حول العملية السياسية الجارية، مما دفع مؤخرا القيادة الفلسطينية لوقف المفاوضات إلى أن يتم وقف الاستيطان.
 
واختتم تلحمي بالقول إن موازين القوى الحالية يجب أن تتغير حتى يتم تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، مع وضع إستراتيجية نضالية جديدة، تكون موحدة لكافة قطاعات الشعب الفلسطيني.
 
أدارت الجلسة مديرة برنامج الدراسات النسوية في مركز مدى الكرمل – حيفا، والأستاذة في كلية القانون بالجامعة العبرية في القدس د. نادرة شلهوب - كيفوركيان.
 
 
الجلسة الثانية: الحركة الوطنية الفلسطينية في الفكر السياسي لدى الفلسطينيين في إسرائيل
 
وكانت المداخلة الأولى في الجلسة الثانية للمؤرخ ورئيس المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في كلية بيت بيرل، والباحث في معهد فان – لير في القدس د. عادل مناع تحت عنوان "مرحلة ما قبل عام 1988" الذي استهلها بضرورة أن لا نكون مستهلكين للمعرفة بل يجب إنتاج المعرفة الدراسية الجدية خصوصا عن أنفسنا.
 
قسم مناع مرحلة "ما قبل عام1988" الى مرحلتين: الأولى هي ما بين عام 1947-1967 التي شهدت ظهور حركة الأرض وكل النقاش بين الشيوعيين والناصريين ومظاهرات الناصرة ومجزرة كفر قاسم وحرب السويس وحرب 1967.
 
أما المرحلة الثانية فهي ما بين عام 1968-1988 التي شهدت صعود الليكود الى الحكم وأحداث يوم الأرض والانتفاضة الأولى.
 
وأشار مناع الى أنه خلال هذه الفترة كان هنالك تغييب من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية للفلسطينيين في الداخل، وفي نفس الوقت كان هنالك شعور استعلاء في بعض الأحيان من قبل فلسطينيي48 تجاه الفلسطينيين في الضفة والقطاع.
 
وقال مناع "السؤال الذي يجب أن يُطرح هو هل كان هنالك حركة وطنية في سنوات الخمسينيات؟ الجواب كلا، لقد سُحق بسبب النكبة وكانت في حالة سبات، فالنكبة وأثرها في قضية البقاء لم يكن هاجس الفلسطينيين في الداخل بل في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني".
 
- د.عادل مناع -
 
وتطرق مناع في مداخلته الى الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان الحزب الوحيد الذي استطاع أن ينشط من خلال الفلسطينيين في الداخل بعد النكبة حيث مُنعت كل محاولات تنظيم أحزاب عربية قومية اخرى (حركة الأرض)، وعزا في نفس الوقت ممارسات الحزب الشيوعي المتماشية مع القبول في الدولة اليهودية مثل "الطلب من الفلسطينيين في شهر كانون ثاني من عام 1949 التصويت في انتخابات الكنيست قبل وقف إطلاق النار وقبل معرفة إسرائيل لحدودها" و "دعوة الرفاق ومن خلال منبر صحيفة الاتحاد للالتحاق في صفوف الجيش الإسرائيلي عام 1954" و "عدم ذكر فلسطين في صحيفة الاتحاد في الخمسينيات" والموقف من قرار التقسيم كممارسات تهدف إلى بقاء الفلسطينيين في وطنهم، لكنه في نفس الوقت يرفضها كونها تقبل بالرواية الصهيونية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، مشددا على ضرورة محاسبة أنفسنا بشكل صريح من دون تجريح أو مزاودات ودراسة هذا الحقبة التاريخية بشكل جدي وواضح منوها إلى دور الشيوعيين في مقارعة السياسات الإسرائيلية إبان الحكم العسكري ودورهم في الحفاظ على اللغة والثقافة العربية.
 
اما المداخلة الثانية فكانت للكاتب والأكاديمي الفلسطيني، وأستاذ فلسفة القانون وقوانين الملكية رائف زريق حول "مرحلة ما بعد عام 1988" الذي بدأ حديثه بالقول "دائما عندما نتحدث عن القضية الفلسطينية نقول إنها تمر بمفترق طرق خطر، لكن حقيقة هنالك شعور حقيقي بالأزمة التي، باعتقادي، يجب أن يكون هذا الشعور بالنسبة لنا كرافعة". وأضاف "هنالك شعور بأن القضية الفلسطينية في الضفة مناطق ال67 وصلت إلى نصف دولة وفي مناطق ال48 وصلت الى نصف مواطنة.. فالمفاوضات وصلت لطريق مسدود والانتفاضة الثانية ايضا، وفي نفس الوقت كل محالولات تجزئة الشعب الفلسطيني وصلت هي أيضا لطريق مسدود".
 
وتساءل زريق عن إمكانيات العمل المشتركة للشعب الفلسطيني في ظل هذه الأزمة وفي ظل غياب حل مطروح في الأفق.
 
وطرح زريق تساؤلا أيضا حول تعريف الحركة الوطنية، وما هو دورها بالتحديد، إذ قال "ماذا نقصد عندما نقول حركة وطنية أو جسم قومي؟ كيف نعرفها؟ هل لأنها تناضل من أجل هدف معين؟ أم لأنها قد تحمل وظيفة إجرائية أي تحويل الشعب الفلسطيني إلى إرادة سياسية من خلال انتخاب قيادة تقرر للشعب"، داعيا إلى إعادة التفكير في التعريفات هذه.
 
وتطرق زريق في مداخلته إلى جدلية "وجود وغياب حدود عام 1967" حيث يحكم هذه اللعبة عدة لاعبين منها الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج "ففي مؤتمر الجزائر عام 1988 أُخرج الفلسطينيون في إسرائيل من اللعبة وأعاد رسم حدود67"، والفلسطينيون في الداخل والمجتمع الإسرائيلي وتطوره، فهذا المجتمع يضع الحدود متى يشاء وينزعها متى يشاء.
 
-د.رائف زريق -
 
وعن هذه الجدلية قال زريق إن هنالك عدة أمور حكمتها، منها الصيرورة الإسرائيلية حيث يوجد داخل المجتمع الإسرائيلي عدة قوى سياسية ودينية واجتماعية مختلفة تمثل كل منها اتجاها معينا، لكن في الفترة الأخيرة يطفو على السطح ميل واحد ويصعب تغييره، فإسرائيل وبعد النكبة لم وعرج زريق في مداخلته الى الحركات السياسية في الداخل حيث كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي اعتبر إسرائيل حقيقة ناجزة، وكانت في المقابل حركة أبناء البلد اعتبرت إسرائيل حقيقة عابرة، ومن ثم ظهرت الحركة التقدمية التي كانت تربطها علاقات وثيقة مع حركة فتح، وصعود الحركة الإسلامية التي جزء من مشاريعها تجاوز الحدود الاسرائيلية، وظهور أحمد الطيبي الذي هو "صناعة فلسطينية عرفاتية".
 
واعتبر زريق التجمع الوطني الديمقراطي حالة خاصة تختلف عن الحركات السياسية الأخرى كونه ذهب بخطاب المواطنة نحو النهاية وفي نفس الوقت ذهب بخطاب الهوية الوطنية إلى النهاية وعلى محمل الجد من خلال مشروع دولة جميع مواطنيها.
 
وختم زريق بالقول إن الاتجاهات التي كانت موجودة بعد عام 1988 ذهبت الى أبعد مداها وأصبح فلسطينيو48 بأنفسهم يصيغون مشروعهم الفلسطيني المستقبلي.
 
أدار الجلسة جورج جقمان أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في في جامعة بير زيت، ومدير عام مؤسسة مواطن، وكاتب ومحلل سياسي.
 
 
 
الجلسة الثالثة: الحركة الوطنية الفلسطينية ومراكز التأثير الجديدة
 
وكانت المداخلة الأولى للصحافي والكاتب والمحلل السياسي، ومدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية هاني المصري حول "تأثيرات انتقال منظمة التحرير الفلسطينية ونشوء مراكز فلسطينية متعددة" مشيرا الى أن عملية نقل الحركة الوطنية من الخارج الى الداخل أهملت جزءا كبيرا من الشعب الفلسطيني، حيث تم إنهاء الاحتلال ليس فقط في مناطق عام48 وإنما أيضا مناطق عام67، فمشروع بناء الدولة أدى إلى تصور بناء مؤسسات دولة تحت احتلال، وأصبحنا "مناطق 48 و67 وضفة وغزة وشتات" كنتيجة طبيعية لعدم وجود برنامج فلسطيني موحد.
 
وأضاف المصري "ممكن فهم التكتيك السياسي لكن السياسة التي تحاول الحصول على أفضل الممكنات يجب ألا تنسى الهدف الأساسي، فالبيان السياسي الذي رافق إعلان الاستقلال في الجزائر أدى القضاء على إعلان الاستقلال، وتجلى ذلك من خلال الموافقة على مبدأ تبادل الأراضي وضم المستوطانت وتقسيم القدس وحل متفق عليه في قضية اللاجئين".
 
"وبعد الشعور بالإحباط بدأت تظهر ظواهر جديدة مثل مؤتمرات حق العودة في الشتات، لأنهم شعورا أنه تم إهمالهم، ورأينا ما حصل للفلسطينيين في ليبيا والعراق ونهر البارد.. لا يوجد من يمثلهم، وبدأت تظهر أيضا حركة المقاطعة وحركة التضامن الدولية والمقاومة الشعبية".
 
 
وتطرق المصري إلى فشل محادثات كامب ديفيد 2000 وسياسة ياسر عرفات بعدها التي تمثلت بنبذ عمليات المقاومة ودعمها في نفس الوقت، مما جلب له سلبيات نبذها وسلبيات دعمها حيث استفاد الآخرون من هذه السياسة، معتبرا أن الفلسطينيين اعترفوا بالجلاد ونبذ العنف بينما الجلاد لا يعترف إلا بمنظمة التحرير دون الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
 
وطرح المصري ضرورة التفكير بمشروع إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية على أسس جديدة لا تكون على "إما المفاوضات أو إما المقاومة"، ودون القبول بالرعاية الأمريكية كوسيط كونها في الحقيقة حليفا إستراتيجيا لإسرائيل.
 
وحذر من سياسة "إثبات الجدارة" التي وقعت بها القيادة الفلسطينية "لأنه ومنذ عام 1988 حتى اليوم والعالم يطالبنا بإثبات الجدارة ونبذ العنف وغيرها من أمور، وفي كل مرة يطلبون منا أمرا جديدا حتى تحولت إلى عملية ابتزاز وإلى عملية تنسيق وتعاون أمني، كما تم وقف المقاومة في الانتفاضة الثانية دون أي مقابل من الطرف الإسرائيلي".
 
واختتم حديثه بالتشديد على ضرورة استعادة ثقة الشعب ومراعاة خصوصية الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
 
اما المداخلة الثانية فكانت للكاتب والصحافي والمحلل السياسي، ومحرر لصحيفة "آفاق برلمانية" الشهرية، ومدير البحوث في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية خليل شاهين حول "التشبيك، شبكات التواصل المتنوعة، وإستراتيجيات العمل السياسي" معتبرا أن الفلسطينيين وفي جميع أماكن تواجدهم يخضعون لمنظومات وآليات سيطرة مختلفة في فلسطين التاريخية، مع أنهم يخضعون لنفس نظام السيطرة (دولة إسرائيل) إلا أنه يوجد خصوصية لمناطق ال48 مثل قوننة العنصرية، وخصوصية لمناطق ال67 المتمثلة بالاحتلال.
 
 
وتطرق شاهين إلى الحراك الشبابي الفلسطيني الذي شهدناه مؤخرا حيث كانت الشعارات في كل مكان مختلفة عن مكان آخر والمنطلقات أيضا. ففي الضفة الغربية رفعوا شعار "الشعب يريد إنهاء الانقسام" بهدف إنهاء الاحتلال، وفي الشتات رفعوا شعار "الشعب يريد انتخاب مجلس وطني جديد" وإعادة بناء منظمة التحرير حتى قبل إنهاء الانقسام كونهم شعروا أن منظمة التحرير الحالية تخلت عنهم، وفي قطاع غزة رفعوا شعار أيضا "الشعب يريد إنهاء الانقسام" لكن بهدف إنهاء الحصار.
 
وأشار شاهين إلى أن حالة التباين هذه في الشعارات ساهمت في احتواء هذه الحراكات واستيعابها من قبل السلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالشباب وبالرغم من أنهم عملوا بأدوات عمل جديدة خارج "الصندوق" وكلاسيكية العمل الحزبي، إلا أنهم وبخلاف "الربيع العربي" لم يطرحوا إسقاط النظام، " فمن يقف ضد الشعارات التي طرحوها" على حد قول شاهين.
 
وأضاف شاهين أنه كان من الممكن طرح شعار "الشعب يريد حل السلطة"، لكن التنوع في الشعارات يعكس حالة الواقع المجزأ للشعب الفلسطيني الذي يفتقد إلى مشروع وطني (ليس بمفهوم مشروع سياسي إنما مشروع وطني قومي)، فالمشروع السياسي كان يُعبر عن تأقلم الحركة الوطنية الفلسطينية مع وجود الحركة الصهيونية، وفقدان مثل هكذا مشروع له آثار مثل أن حل الدولتين كما كان عام 1988 ليس نفسه اليوم ولن يكون كما هو بعد عشر سنوات.
 
وطرح شاهين ضرورة بناء مشروع وطني (قومي) يربط جميع أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، فالجميع يريد التحرر والخلاص ومن نظام السيطرة وحق تقرير المصير، لذلك يجب أن يكون حركة وطنية جامعة عبر التمثيل السياسي للجميع، فكيف يمكن الحديث عن وحدة الشعب الفلسطيني بالجغرافيا دون التمثيل السياسي؟.
 
وبالرغم من تبعيات هكذا مشروع إلا أنه مجرد أن يكون مطروحا هو أمر هام مع ضرورة تجاوز آليات العمل القائمة دون نفي خصوصية كل جزء من الشعب الفلسطيني النابع من الوضع السياسي والاقتصادي الذي ينتجه كل نظام سيطرة في كل مكان.
 
وعبر شاهين عن تفاؤله في المرحلة المقبلة التي قد تكون إيجابية في ظل الربيع العربي والجيل الفلسطيني الشبابي الجديد من خلال المقدرة على التفكير على آليات عمل خارج نطاق تفكير الحركة الوطنية الكلاسيكي، مع تتطور أشكال التواصل من خلال العالم الافتراضي (الفيسبوك وغيره) إلى أرض الواقع.
 
أدارت الجلسة هنيدة غانم باحثة وأكاديمية متخصصة في العلوم الاجتماعية، والمديرة العامة لمدار - المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية.
 

التعليقات